دير البلح، قطاع غزة -- “أخر هدنة قعدت على البلاط ١٢ يوم انا وأولادي والبيت مقصوف ولا باب ولا شباك “
هذا ما قالته الحاجة أم فادي البشير خمس وستون عاماً من مدينة دير البلح وهي تشير إلى أنقاض بيتها المدمر وتقول هنا كان بيتنا ..
أم فادي عاشت حربا طويلة في صراعها مع الحياة بدايةً من زوجها الذي قرر لها مصيراً لم تفكر يوماً أن تختاره، فقد ترك لها اطفالها قبل ثلاثٌ و عشرون عاماً و رحل إلى رومانيا ولم يعد إلى الآن، مروراً بالحرب التي قضت على آخر أمنياتها في رسم بيت صغير يجمعها وأبنائها السبعة داخل جدرانه !
بدأت أم فادي في سرد تفاصيل قصة ليلة القصف القاسية ونحن على أعتاب حجرتها الصغيرة وذكرت أنهم طلبوا منهم أكثر من مرة إخلاء المنزل ولكنها كانت كل يوم تزور المنزل وتتفقد أشياءها والخطر فوقها يحلق من كل اتجاه و في اخر ليلة ذهبت لتجمع بعض الخضروات والأغراض و قد نست هاتفها المحمول في البيت وخرجت إلى مأوى مع أقاربها. في هذه الأثناء كانت محاولات الإسرائيليين في الوصول لأحد منهم لأخبارهم بأنهم سوف يستهدفوا المنزل بعد بضع دقائق فقد حاولوا الاتصال على ابناءها الأربعة ولكنهم لم يتمكنوا من الوصول لهم لأن هواتفهم كانت مغلقة بسبب الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، وكانت آخر محاولاتهم هي الاتصال بالابنة المتزوجة في مدينة خانيونس وأخبروها في مكالمة في منتصف الليل أنه سيتم قصف منزلهم ليصل لهم الخبر خلال دقائق من جيرانهم.
تقول أم فادي: "في الصباح ذهبنا الى هناك حتى نرى هل تضرر شيء فلم نجد شيء لم يتضرر، ولكننا حمدنا الله أن لم يصب أحدنا بمكروه."
كانت الحاجة تتحدث بهدوء وكل لحظة تتذكر أشياء جديدة وترويها بينما تدمع عيناها حيناً وتجف آخراً. قالت بأن هذا البيت هو تاريخ عمرهم الطويل من الصبر والمكابدة ها قد سُلب منهم، وأردفت قائلة : " داخل جدران هذا البيت كنت أحفظ كرامتي وكرامة أبنائي حتى وإن أجحفت بنا الظروف في بعض الاحيان، فقد عملت في مصنع للحياكة وعملت في البلح حتى أوفر لأبنائي ما يحتاجونه من متطلبات أساسية، ولكنني لم أتوقع أن يصل بنا الحال إلى هنا بلا مأوى أنا وأبنائي بعد شراسة الحرب الاخيرة التي اخذت معها كل شيء دون أن تترك لي أي ذكرى صغيرة من أشيائي التي كنت أجمعها حتى أضعها في بيتي الجديد.
“الدكان لم تسجل من قبل وزارة الاقتصاد المختصة بتسجيل الاضرار لأنهم طلبوا أن أصورها لهم ولكنها لم تعد صورة، ولكنني لا أملك صورة بعد قصف المنزل، وبذلك لم يسجل الدكان حتى الآن."
هذا ما قاله بلال الابن الثالث للحاجة أم فادي صاحب دكان صغيرة كانوا يعتاشون منها. ولكن لم يعد هناك دكان أو حتى أي أثر يثبت وجودها مسبقاً.
وأضاف خاتماً ومصمماً: " لكنني أعمل الآن في البناء أو النظافة وأظل أبحث طوال الوقت عن فرص عمل أفضل حتى أحيا حياة كريمة وأكوّن عملاً مستقلاً أعيل من خلاله عائلتي بشكل أفضل من الآن."
رهاف البطنيجي
17 كانون الأول 2014
- إضافة تعليق جديد
- Email this page