You are here

عائلة حبيب.. باب الكرفان المتأرجح والطفولة الضائعة تحت الركام

الشجاعية، غزة- اقتربت السيارة من المكان المأمول، ثم تدحرجت عجلاتها على أرض طينية غير معبّدة، توقفت فجأة، ليشير لنا سائق سيارة الأجرة إلى حيث مقصدنا، وجدنا أنفسنا أمام سورٍ من الصفيح، كي تصل إليه لا بد أن تغوص قدماك في الكثير من الوحل، هناك تسكن عائلة حبيب، بمحاذاة الخط الشرقي في الشجاعية شرق مدينة غزة، العائلة التي ألقتها حرب 2014 فيه بلا رحمة بعد أن قصف الجيش الإسرائيلي منزلهم وأحاله إلى أثرٍ بعد عين.

صبية يلعبون تحت شجرة زيتون وارفة وكثيفة الأوراق، بجوار أطنان من الركام الذي يبعد عنهم مسافة أمتار قليلة، من نظراتهم الجافة القاسية تتعرف على حجم المأساة التي حلت بهم وقذفتهم للعب في البرد القارس وتحت المطر، نسأل عن بيت العائلة فيشيرون إلى الركام، ثم نعود ونسأل أين تسكن العائلة فيقتادنا أحدهم صوب سور الصفيح، وأنت تسير يمكنك بسهولة مشاهدة الدمار وبؤس العيش، تتملكك تلك الفكرة: يظن المسؤولون أنهم يقدمون شيئاً للعائلات المنكوبة عن طريق تقديم الكرافانات.

تستر العائلة الكرافان بباب يتأرجح، يعلو عن الأرض 50 سنتيمتراً بجوار بقايا وركام منزله المدمر جرّاء الحرب، ألعاب الأطفال تتناثر، وهي، برغم كونها صمّاء إلا أنها تشي بالمصيبة التي حلت، التفتنا يمنة لنشاهد تمديدات لخطوط المياه صاعدة إلى براميل تغذي الكرافان العُماني منذ شهر نوفمبر 2015 بمساحة 60 متراً مربعاً، يجاوره كرفان أردني حديث التركيب بمساحة 25 متراً مربعاً، لم يُسمح لهم بامتلاك غيره رغم حاجتهم إلى ذلك، وبحسب حديث "أم محمد" ربة المنزل، فإن أحوال العائلة تغيرت بعد الحرب كلياً، يقول زوجها: "بعد تسعة شهور من الحرب تنقلنا بين ثلاثة منازل، ودفعت وكالة الغوث إيجار أحد هذه المنازل لثلاثة أشهر، وشعر أطفالنا بالإرهاق بسبب تنقلاتهم المتكررة من مدرسة إلى أخرى".

يعدد رب الأسرة ما أثقله من هموم، بما فيها هموم الإيجارات، الأمر الذي دفعه إلى طلب الكرافان ليسكنوا فيه، وتزداد همومه كونه عاطلاً عن العمل، ولا يوجد له دخل ثابت يعتاش منه، وقوت أبنائه مرتبط بما يبيعه من "الترمس" على عربته التي يجرها بيديه، وهو دخل لا يفي باحتياجات عائلته في مثل هذه الظروف.

استقرت العائلة بعد عامٍ كاملٍ من الترحال في الكرافان، الذي تكلّف نقله بجوار ركام منزلهم ثلاثمائة شيكل، لكنه لم يغير من قسوة الحياة شيئاً، والموجع أكثر أن ركام منزلهم ما يزال على حاله، والسبب كما أخبرونا أنهم لا يمتلكون ثمن الإزالة.

ينقص الكرافان كثيرٌ من مستلزمات العيش، حيث تضطر ربة المنزل لغسل الملابس بيديها خارجه، وتخبرنا أنها اضطرت لاستدانة مبلغٍ من المال حتى يتسنى لها إزالة الركام على أمل أن تكون بعض مقتنيات منزلها سليمة.

تقول العائلة أن أوراقها قُبلت في المنحة الكويتية للشروع بالبناء، ولكنها لم تستلم فلساً واحداً منذ أشهر، فيما تبدو على الأطفال ملامح الانزعاج لأن الكرافان لا يصلح للسكن الآدمي لفترةٍ طويلةٍ بسبب الرطوبة العالية والبرد الشديد داخله، ولولا تدخل بعض الشخصيات الاجتماعية في الحي، لما تمكنت العائلة من إصلاح أي تلف يصيب الكرافان.

تتخوف "أم محمد" من طهي الطعام داخل الكرافان، خوفاً من التماس الكهربائي، وهي لا تنسى الصوت المرعب الذي تسببه حركة الرياح على الصفيح، وانزعاجها من عدم تنظيف أرضية الكرافان قبل وضعه عليها، الأمر الذي جعل منها وكراً للقوارض.

تتخوف السيدة على أطفالها في الصيف و الشتاء. وتنوه العائلة إلى أن الكرافان عهدة يجب عليهم المحافظة عليه حتى وقت تسليمه بعد بناء منزلهم المدمر، بينما تعبر الطفلة آية وشقيقها محمد عن خجلهما من السكن في الكرافان، لكن آية تصر على أنه بالرغم من انهيار منزلهم إلا أنه ما تزال لديها أمنية، تريد أن تكبُر وتصبح صحفية، حتى تتمكن من فضح جرائم الاحتلال، أما شقيقها محمد فأمنيته تتمثل في أن يصبح مهندساً كي يقوم بتعمير منزلهم من جديد.

يتحدث الأطفال ونظراتهم تتجه نحو ألعباهم المنثورة، وأثاث منزلهم الذي غابت معالمه، ويردد طفلان آخران في العائلة، ديما وشقيقها معتز، شوقهما لجهاز الحاسوب الذي فقداه تحت ركام منزلهم ولم يعد باستطاعة والدهما جلب غيره، ورغم كثرة المؤسسات النفسية والاجتماعية التي تهتم بمشاكل العائلات بعد الحرب، إلا أن أحداً لم يطرق باب كرافانهم، برغم معاناة أطفال الأسرة من التبول اللاإرادي.

أسرة "حبيب" تتساوى عندها قيمة الحياة وحقيقة الموت، وما تزال تعاني الأمرين جرّاء تعطل عملية الاعمار، وما يزال أطفالها يعانون الويلات في انتظار العودة إلى حياة شبه طبيعية يستعيدون بها شيئاً من طفولة فقدوها بعد كل هذه الويلات.

اعداد: ريم جعرور