You are here

سيمفونية الوجع: قصة إبداع من رحم الجراح

الوسطى، قطاع غزة -- أثناء الحرب وبعد فقدها لوالدها لم تحظَ ( آثار أحمد ) 17 عاماً  بأي صورة له بعد دمار المنزل،  وعندما جلستتستذكر صورته رسمته على ورقة علّها تشفي غليل الشوق لوالدها، وكتبت أيضاً شعراً يُبكي " كان لنا في الدمع جرح نشتكيه اذا ما الدمع أصبح في ازدياد " ولكن لم يتوقف الدمع وازداد الجرح لهذه الصغيرة .
المفارقة الدائمة أنه من عمق الجراح يخرج الإبداع، فبعد تشجيع من مدرساتها دخلت آثار غمار مسابقة للقصة القصيرة و كتبت قصتها الأولى " سيمفونية الوجع " ترسم فيها لحظات الفقد لوالدها وفازت القصة بالمركز الأول على منطقة الوسطى .
في أحد ليالي يونيو الحارة لم يكن على آثار سوى الانصات لليلٍ حديثه الصمت، ليل يتسع لأسئلتها، تلك الأسئلة التي سطرتها في قصتها وبقيت دون اجابة " هل سيكون حظها أوفر فتستنشق هواء الغد؟ أم أن ضجيج الموت سيسدل ستاره على آخر فصول حياتها؟ " .
بذلك جاء الرد من والدها منتصف الليل أثناء هُروبها هي وعائلتها من منزلهم في النصيرات، بعد التهديد الذي تلقاه منزل جيرانهم  " إن قتلتك هذه الطائرة لن تشعري بالألم، ستكون الجنة بانتظارك " .
بعد سويعات عادت العائلة إلى المنزل تنتظر الأقدار، ولم تكن تعلم آثار أن الصُبح الذي يفترض أن يكون صُبح عيد، لن يمر حقاً، فتلك الحرب لم تحترم عيداً لتحط الطائرة بأثقالها وتزرع الألم زرعاً.
السابعة صباحاً، ثاني أيام عيد الفطر اقتحم الموت منزل آثار بدون سابق إنذار فتقول " كانت زوبعة غبار ملتحفة بالموت والدخان تمنعني من الرؤية ويدي تنزف بشدة ". بعد أن زالت الدهشة قليلاً التفت لترى والدها مسجى على الأرض بجانبه أختها الصغرى " سرّاء " حاولت انتشال أختها في الوقت الذي سمعت فيه صوت والدها يتأوه .
لم تعلم أثار كم مرة وقعت أرضاَ وهي تنزف وتحمل بين يديها أختها الصغيرة التي تنزف أيضاً حتى وصلت باب المنزل وأغشي عليها، تقول آثار " كنت أسمع تشهد والدي ونحن في السيارة إلى المستشفى وبدأت بالبكاء لأنني لم أعد أشعر بأطرافي " ولم تستيقظ إلا على سرير المستشفى تحيطها الكاميرات والصحافة وتقول: "هذه هي الناجية الوحيدة " .
خرجت آثار من المستشفى حتى قبل اكتمال علاجها بسبب اكتظاظ المستشفى، وفي طريقها لمنزل خالتها في غزة كان الموت أقرب إليها من جديد فسقطت قذيفة لا تبعد عن السيارة سوى القليل ولكن نجت بحمد الله، ولم تتوقف الأقدار هنا فتلقت بعد سويعات نبأ استشهاد والدها الذي سبقه عمها، ولم تستطع التصديق بذلك حتى رأته بأم عينيها في المستشفى .
عاشت آثار هذه الحرب مشتتة بين بيوت أقربائها الذين اضطروا للإخلاء أكثر من مرة وتنقلت بين أكثر من 5 منازل في الوقت الذي سافرت فيه والدتها بأختها الصغيرة للعلاج في تركيا، وكانت بعيدة عن أختها تقى وأخيها بهاء ولم تجتمع العائلة تحت سقف واحد إلا بعد شهرين من الحرب .
وحتى اللحظة تعيش الأسرة مشتت في بيوت الإيجار، لا معيل لهم ولا تقدم في حالة الإعمار حتى اللحظة ، تقول أثار " أنا فقدت والدي وهو أعز شيء، لا أريد شيئاً " صمتت آثار لتضيف والدتها " حتى اللحظة لم نُعَوّض بفقد المنزل، بل على العكس اعادوا تقييم المنزل للإنقاص من قيمته لأنه حسب قولهم دمار جزئي "
وعلى الرغم مما مضى نصبت آثار سارية على قارعة الأمل حالمة بإنجازات  كان ليفخر بها والدها، فمن بعد فوزها بالمرتبة الأولى في الكتابة تتطلع الآن إلى التفوق بالثانوية العامة. بتلك العينان القويتان قالت آثار " كل الذكريات التي أحملها لن تكون يوماً إلا سبباً يعيد الحياة الى الحياة " .

سلسبيل زين الدين

18 كانون الأول 2014