You are here

رحلة البحث عن بصيص أمل وإثبات الملكية وحياة كالموت فى الكرفان

غزة | نورهان المدهون: بقطعة من الكرتون تلوح يميناً ويساراً ، علها تأتيها بهواء عليل ، فمايأتيها من الهواء إلا كنفخ فوق النار الهائجة ليزيدها اشتعالاً .العشرينية يسري بشير من سكان الكرفانات شمال قطاع غزة ، انتقلت لحياة الكرفان برفقة زوجها وطفليها مرغمة ، على أمل أن يعاد بناء منزلها في حي الأمل – البورة – منطقة بيت حانون شمال القطاع ، والذي دمره الإحتلال  خلال العدوان الأخير .

تقول يسرى "خمسة وأربعون يوماً أمضيتها فرحاً في بيتي الجديد المكون من غرفتين ، والذي استغرق تجهيزه عام ونصف حسب امكانياتنا ودخلنا البسيط ، فسبقتني إليه الحرب لتدمره قبل أن أهنأ به" تتابع وهى تلوح  صعوداً وهبوطاً بقطعة الكرتون على طفلتها ذات الثلاث سنوات  في محاولة للتخفيف من شدة الحرارة  "أشعر وكأننا نعيش على فوهة بركان ، وفى فصل الشتاء نكاد نتجمد من البرودة ، فالحياة هنا عذاب مستمر" .

 

كثيرة هي المخاطر التى ترافق حياة الكرفان من ضيق المكان والحر الشديد والحشرات الطائرة والزاحفة والقوارض ، بالإضافة للروائح الكريهة المنبعثة من الصرف الصحي ، فالحياة هنا تشبه اللاحياة . مدت العشرينية يسرى يدها بين كومة الملابس الموجودة فى إحدى جنبات الكرفان لتلتقط  تقريراً طبياً يثبت أن زوجها عماد الكفارنة يعانى من مرضاً مزمناً وبحاجة لعلاج مستمر، واصفة وضعها المادي – تحت الصفر – وتعتمد على شيك الشئون الإجتماعية – برنامج الضمان الإجتماعى – حيث تتقاضي العائلة الواحدة المنتفعة من البرنامج مبلغ مالي يتراوح من 750 إلى 1800 شيكل مرة كل ثلاثة أشهر - حسب وضع الأسرة وعدد أفرادها- .

 

تلتقط أنفاسها وتعود للحديث "طرقت كل الأبواب لإثبات ملكية بيتي الذي دمره الإحتلال ،  لكن دون جدوى ، فليس لدى أي أوراق رسمية وتراخيص للبناء ، فتلك القطعة من الأرض منحنا إياها والد زوجي وهي ضمن أملاكه ، وعند حصر الأضرار واستخراج الأوراق رفضت الجهات المعنية إدراجنا ضمن كشوفات إعادة الإعمار واكتفت باسم والد زوجي صاحب الملك المرخص". تتابع "أمضيت طيلة فترة الحرب في مراكز الإيواء التابعة للأنروا ، وعندما طردنا بالقوة منها، قرر زوجى استئجار بيت فى منطقة بيت لاهيا – شمال قطاع غزة - على حسابنا فعائلتي صغيرة ، لكننا لم نستطع تسديد تكاليف الإيجار في ظل وضعنا المادي المتردي وعدم تحمل صاحب الإيجار عبئ وجودنا دون تقاضيه حقه ، فما كان أمامنا من حل سوي أن عودنا أدراجنا إلى منطقة الكرفانات لنتخذ من هذا الصندوق مسكناً لنا، بالرغم من عدم وجودنا ضمن كشوف المتضررين  " .

 

كانت قد اتفقت وزارة الأشغال العامة والإسكان مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على دفع ايجار شهري للأسر المتضررة بشكل كلي خلال العدوان الإٍسرائيلي على غزة ، وفقاً لمعايير وضعتها وكالة الغوث تتعلق بعدد أفراد الأسرة، فالأسرة التي يتراوح عدد أفرادها من 1 إلى 5 صرف لها بدل إيجار بقيمة 200 دولار، والأسرة التي يتراوح عدد إفرادها من 6 إلى 10 صرف لها 225 دولارا، والأسرة التي يزيد عدد أفرادها عن 10 صرف لها 250 دولارا.

 

"الجميع هنا يعلم مصيره ، فعاجلاً أم آجلاً سيكون لهم نصيب فى إعادة إعمار منازلهم ، فلديهم أسماء مدرجة ضمن كشوف إعادة الإعمار ، باستثنائي وزوجي وطفلاي فلا مأوي لدينا ولا اعتراف من الجهات المعنية بأحقيتنا بإعادة إعمار بيتنا" هذا ماعبرت به العشرينية المكلومة وقد تغيرت نبرة صوتها وحبست دموعاً كاد أن تنهمر من عينيها .

 

لا تزال يسرى وعائلتها تبحث عن بصيص أمل ، علها تجد من يساعدها في الحصول على حقها في إعادة الإعمار ، وتحلم في بيت يحفظ كرامتها وإنسايتها وخصوصيتها التي أهدرت على أبواب الظلم والتهميش واللامبالاة من الجهات التي لم تكثرث لمأساتها ومعاناتها .