You are here

حياة على صفيح ساخن



غزة | نورهان المدهون:

 

"اللهم كما أنجيت إبراهيم من النار، نجّنا من نار هذا الكرفان،ا للهم كما أخرجت يونس من بطن الحوت، فأخرجنا من بطن هذا الصفيح الساخن"، دعاء تردده المواطنة محضية العثامنة (30 عاماً) وبه تصف طبيعة الحياة داخل الكرفان، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وتأخر الإعمار، بعد مرور نحو عامين على دمار منزلهم في حرب العام 2014.

تسكن محضية بمعيّة زوجها وأطفالها الثلاثة داخل كرفان بالقرب من منزلهم في بيت حانون، يحيل الكرفان حياتهم إلى جحيم، فهو أشبه ما يكون بالثلاجة في الشتاء وأقرب ما يكون إلى الفرن في الصيف، ويأتي هذا الحال الاستثنائي بعد أن كانت تمتلك شقة في بيتٍ مكونٍ من أربعة طوابق دمرته الطائرات الإسرائيلية خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.

تفترش العثامنة الأرض وهي تنثر أعواد الملوخية التي تقوم بتنقيبها قبل طهوها لأطفالها،وتسرد تفاصيل حياتها وعائلتها بعد العدوان قائلة: "سلّمتنا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين(الأنروا) مبالغ مالي لنتمكن من استئجار بيوتٍ تأوينا إلى أن يتم الإعمار،ولكن هذا الأمر لم يكتمل بسبب تأخر الوكالة في تقديم المبالغ المطلوبة لتسديد الإيجارات".
 

تجول بناظريها في أروقة الكرفان وتستطرد: "لم نستطع توفير قيمة الإيجار، وصاحب المنزل لم يتحمل تأخرنا في دفع بدل الإيجار فقام بطردنا ، ولم نجد مأوي لنا سوى هذا الصندوق الحديدي"، كانت في تلك اللحظات تشير باستياءٍ بالغٍ إلى الكرفان المعدني الذي أصبح بديلاً مؤقتاً عن المسكن.
تؤكد إحصائية رسمية صادرة عن وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية أن مايقارب من 180 ألف منزلٍ تعرض للقصف خلال العدوان الأخير على غزة ،توزعت مابين 12.604 هدماً كلياً، و6.600 هدماً جزئيا ًغير صالحٍ للسكن، و160.000 هدماً جزئياً.

تشير محضية إلى أرضية الكرفان مستخدمة أحد أعواد نبتة الملوخية وتقول: "هذه الأرضية مسكن للآفات والحشرات المقززة لتي عانيت الأمرين في محاولات التخلص منها،ولكن دون جدوى ، فكلما قضيت عليها اكتشفت أن غيره اتكاثر"، وتضيف وهي تمسح على رأس طفلها الذي اتكأ عليها: "لم يهنأ لي نوم خوفاً على أطفالي من هذه الحشرات التي تجول علي أجسادهم أثناء نومهم ، فكثيراً ماأصحو على صراخهم مفزوعين ،مما يضطرني إلى مراقبتهم طوال الليل ومطاردة تلك الحشرات المنفّرة".

يتدخل زوجها أمين العثامنة هذه المرة ويقول: "كنت أعمل في مجال البناء، والآن أنا عاطل عن العمل بسبب الحصار وعدم توفر الفرص ، بالكاد نستطيع توفي المأكل والمشرب معتمدين على المساعدات التي تقدمها مؤسسات محلية ودولية وما يتوفر من إعانات يقدمها متبرعون محليون".

يصف الزوج مشواره في الحصول على التراخيص والأرواق التي تثبت حقه في إعادة الإعمار بالقول: "مابين وزارة الأشغال العامة والإسكان وبلدية بيت حانون، أمضيت أكثر من شهر للحصول على أوراقا لملكية والمخططات الهندسية اللازمة لإعادة إعمار بيتي ،كلفتني تلك الإجراءات مايقارب 2000 دولار أميركي، ورغم ذلك بدأ الإعمار في الطوابق الأرضية، فيما لا أزال في انتظار منحة إكمال البناء وصولاً إلى شقتنا التي ستكون ملاذنا من حياة الكرفان".

يواجه النازحون في الكرفانات جملة من الإجراءات التي تسبق تعمير منازلهم أو إعادة بنائها، وتقع جميعها ضمن تحديات إعادة الإعمار المعقدة، حيث يجري اختيار الأشخاص وفقاً للأولوية، ويتطلب الأمر إثبات ملكية الأرض وتقديم مخططات البناء ومن ثم الحصول على التراخيص اللازمة من الجهات الرسمية للبدء في إعادة الاعمار، وكانت وزارة الأشغال العامة والإسكان قد دعت  المواطنين من أصحاب المنازل المدمرة كلياً إلى عمل إجراءات الترخيص اللازمة للبناء من قبل البلديات وتسليمها لمديرات الوزارة كلٌ حسب المحافظة التي يعيش فيها.

"أنتظر على أحر من الجمر إعادة إعمار منزلي وانتهاء معاناتي"، عبارة ترددها محضية تعبيراً عن استيائها وعدم تأقلمها مع حياة الكرفان المرهقة، ثم تمد يدها لتمسح عرقاً تصبب على جبينها وهي تردد: "أصبحت حياتنا جحيماً وقد أرهقنا الانتظار، كل مانتمناه هو الإسراع في إعادة الإعمار وإدخال مواد البناء،لنستعيد شيئاً من الكرامة والأمان".

لملمت العثامنة أعواد الملوخية المبعثرة وجمعتها في حزمة واحدة، ابتسمت بمرارة وهي تنظر إلى الحزمة التي جمعتها، ولسان حالها يقول: "متى نملك من حظ الملوخية ما يتيح لنا أن نجمع شتاتنا ونلم شملنا الذي بعثرته حياة الكرفان، ونستعيد شيئاً من أمن المنزل وسكينته؟".