
خزاعة- أخرجت (أم فتحي) طفلتها وهي تحتضن عربتها، لتأخذ قسطاً من شعاع الشمس الذي لا يعرف طريقه إلى المأوى المؤقت "الكرفان" المقام بجوار بيتهم الذي دمرته إسرائيل في عدوان 2014 بمنطقة خزاعة شرق خان يونس.
بصعوبة كبيرة تنقلك أقدامك إلى موقع الكرفانات، بعد أن تغوص في حفر طينية بللتها مياه الأمطار، وعندما تصل إلى حيث يقيم (أبو فتحي أبو جاموس) وعائلته تواجه صدمة العيش ومرارة انتظار الإعمار الذي طال أمده، أما الليل فيمثل كابوساً لعائلة أبو جاموس، الذي يصف ساعاته الطويلة بعبارة واحدة: "بردٌ شديدٌ، وموقد نار، وليل لا ينتهي".
يضيف بلهجة بدا فيها السخط على ما آلت إليه أحوالهم "بعد حياة هادئة وآمنة كنت أعيشها في بيتي الذي بنيته بعرق السنين أجد نفسي، مع عائلتي المكونة من ستة أفراد، متسمرين من شدة البرد في غرفة واحدة كي تنعم أجساد أطفالي الغضة بشيءٍ من الدفء".
أبو فتحي أبو جاموس الذي بدت ملامحه أنها تشير إلى ما يفوق عمره الزمني بسنوات جراء ما حل بهم خلال العدوان وبعده من ضيق العيش وقلة الحيلة، يروى بعض السيناريوهات التي واجهها داخل الصندوق الخشبي الذي لا يقي من قيظ الصيف ولا من برودة الشتاء.
يقول "في أيام المطر لا تعرف جفوننا طعم النوم جراء صوت المطر الذي يعيدنا إلى أيام بيوت القرميد أو الزينكو، حبات المطر في الليل الموحش تشبه في صوتها طلقات رصاص، عدا عن تسرب مياه الأمطار من سطح الكرفان، كونه غير مبطنٍ من الخارج ولو بقطعة من البلاستيك تحول دون تسرب قطرات المطر".
زوجته التي بدا عليها الإعياء والحيرة، قالت: "لا أعرف كيف أتدبر أمر أسرتي، فأطفالي أربعة، اثنان منهم يعانيان من لين العظام وتضخم الكبد، يكابدان جرّاء هذه الحياة التي استجدت مع ظروف دمار المنزل، فلا ملابس قادرة على أن تحمي أجسامهم من قرصات البرد، ولكني أحاول بكل ما أستطيع أن أدبر الأمور، ولكن احتياجاتنا أكبر من إمكاناتنا بكثير".
كُسرت ساق أم فتحي عندما داست على أرضية الكرفان، كانت الأرضية الخشبية قد تآكلت بفعل رداءة التصنيع وضعف المواد الخام المستخدمة في بناء الكرفان، وبالطبع فإن لتسرب المياه دوراً في تهتك هذه الأرضية، ولم تكن المعاناة وليدة فصل الشتاء ففي الصيف واجهت الأسرة خطر الموت المحقق، وعن ذلك تقول أم فتحي "في الصيف الماضي عانينا كذلك، حينما كاد الثعبان أن يلتهم رأس طفلي أثناء نومه، لولا العناية الإلهية التي أتاحت لزوجي أن ينقذه في اللحظة الأخيرة".
لا تتوقف معاناة أسرة أبو فتحي عند هذا الحد، بل تجاوزتها إلى أمور ليست أقل خطورة، يقول الزوج "في إحدى الليالي قمت أتوضأ لصلاة الفجر، فإذا بسحابة دخان تغطي جنبات الحمام، صُعقت من هول ما رأيت، كانت النار تشتعل في إحدى علب الكهرباء، تناولت مطفأة الحريق لكنها كانت فارغة، معظم الطفايات التي سُلمت للأهالي كانت فارغة، لكن عناية الله هي التي
أنقذت حياتنا بعدما قمت بفصل التيار الكهربائي".
أبو فتحي عاطل عن العمل، يعاني من إصابة في معصم يده تجعله غير قادر على القيام بأية أعمال يدوية، ويشكو من قلة الاهتمام من قبل المسؤولين حيال معاناتهم، فهو غير قادر على تأمين الحد الأدني من المستلزمات الأساسية لتدوير عجلة الحياة.
يتابع "ما يُقدم لنا من مساعدات لا يُسمن ولا يغني من جوع، طفلتي الصغيرة بحاجة إلى حليب خاص يسد رمقها وأنا غير قادر على تأمينه".
يحدو أبو فتحي الأمل أن يتم الإسراع في عملية الاعمار، التي تأخرت كثيراً، وهذا التأخير يفاقم معاناة سكان الكرفانات، كما أن شقته تقع في الدور الثالث من بناية العائلة، لذا فإن علمها عند الله، ويتساءل "لا أدرى متى سيصلها البناء إذا استمرت عملية الاعمار على هذه الوتيرة؟".
إعداد: ماجدة البلبيسي
- إضافة تعليق جديد
- Email this page