">بعض الأمثلة على هذه السيطرة تشمل المجال الجوي لغزة، تسجيل السكان، تزويد القطاع بالخدمات الأساسية، والدخول أو الخروج عبر المياه الإقليمية للقطاع.
إسرائيل تجادل دائماً أن غزة ليست محتلة لأنها سحبت قواعدها العسكرية والمستوطنات اليهودية في العام 2005. ولكن الواقع أن إسرائيل لاتزال تحتفظ بسيطرة شبه مطلقة على القطاع و بالتالي لاتزال تعتبر إسرائيل قوة إحتلال، إن على إسرائيل إلتزامات تجاه السكان المحتلين والذين لهم حقوق محددة يكفلها القانون الدولي والإنساني.
إن الوضع القانوني لغزة له علاقة كبيرة تجاه تحديد هذه المسؤولية، إذ لا يمكن لدولة أن تشن حرب دفاعية ضد السكان الذين تحتلهم، و بالتالي إن إعتبرنا  أن إعتداءات 2014 و كذلك عدواني 2012 و 2008/2009 هي إعتداءات غير قانونية. ، فليست  إسرائيل هي المسؤولة عن دفع التعويضات لسكان غزة على الأضرار التي تسببت هي بها؟

هل تتحمل إسرائيل المسؤولية وحدها عن غزة؟
لا. إن القانون الدولي يلزم إسرائيل بإعتبارها قوة إحتلال بأن توفرالعيش الكريم والحماية للسكان الذين تحتلهم، وفي حال فشلت هي في ذلك، يتوجب على دول أخرى التدخل. إن المسئولية الملقاه على عاتق المجتمع الدولي هي بالمقام الأول العمل على ضمان احترام إسرائيل للقانون الدولي وإلتزاماتها تجاه الفلسطينيين و أن تجبر إسرائيل على الإنصياع عن طريق إجراءات المسائلة.
إما على أرض الواقع، فإن المجتمع الدولي و خاصة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي نادراً ما تنتقدا خروقات إسرائيل للقانون الدولي. و الأسوء من ذلك أن الدعم المادي لإسرائيل و العلاقات التجارية و الثقافية معها، يوفروا لها دعم إقتصادي و سياسي وذلك من خلال "تطبيع" الإحتلال، إن القبول بإسرائيل كلاعب دولي لهو مؤشر على تسليم المجتمع الدولي بالوضع القائم.

ما هي مسؤوليات المجتمع الدولي تجاه غزة؟
على المجتمع الدولي مسؤولية التمسك بالقوانين الدولية ذات العلاقة بالشعوب المحتلة، كما وعليهم حماية حقوق الفلسطينيين في حال فشلت إسرائيل في الإيفاء بإلتزاماتها. وإن لزم الأمرفرض العقوبات عليها.  إن أحد المكونات  للإستجابة الدولية ردأ على رفض إسرائيل لدفع إلتزاماتها،  تتمثل في تقديم الدعم الدولي للفلسطينيين، لكن هذا الحل يجب أن يكون حلاَ قصير الأجل لحين ممارسة ضغوط فعالة على إسرائيل للإيفاء بإلتزاماتها. في الحالة الفلسطينية، فإن الدعم الدولي الذي تم تقديمه خلال عقود قد ساهم في إعفاء إسرائيل من إلتزاماتها كقوة إحتلال.

بعد توقيع إتفاقية أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، قام المجتمع الدولي بضخ المساعدات للفلسطينيين، وقد تمثلت جُلَ هذه المساعدات على هيئة دعم قُدِم للسلطة الفلسطينية. والتي أخذت على عاتقها جزءا من المسؤوليات الملقاة والمترتبة على إسرائيل، هذا بدوره أدى إلى مزيد من الضبابية حول مسئولية إسرائيل، حيث أن الأخيرة تدعي أن الإهتمام بإحتياجات الفلسطينيين هي مسئولية تقع على عاتق السلطة الفلسطينية في حين أنها تحد من إمكانيتها لممارسة عملها وتنفيذ المسؤوليات الملقاة عليها. وبالإضافة لذلك، فإن بعض المانحين الرئيسيين يفرضون شروط سياسية نتيجة الإعتماد الكبير للسلطة الفلسطينية على الدعم الخارجي، الأمر الذي لا يتجرأون فعله مع إسرائيل والذي يساهم في إفلاتها من العقوبات.

إن على الأمم المتحدة، أكبر منظومة لتنسيق المساعدات،  واجبات نص عليها ميثاق الأمم المتحدة بالإضافة إلى الكثير من القرارات الأممية ذات العلاقة بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
إن الأمم المتحدة تعمل من خلال هيئات تنموية وإنسانية مثل وكالة غوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، برنامج الأغذية العالمي WFP، منظمة الصحة العالمية WHO، و آخرين.
إن هذه الهيئات مثلها مثل المنظمات الغير حكومية تتلقى تمويل من المانحين لتقديم مساعدات للفلسطينيين. بهذه الطريقة تقوم حكومات الدول المانحة "بمقاولة" هذه الهيئات للقيام بواجباتها.
إن كمية الأموال الضخمة و النفوذ الذين تحتكم عليهم هذه الهيئات، تؤدي إلى تشكل مصالح والتي قد تتجاوز مصالح المستفيدين الفلسطينيين، ليصبح الهدف هو جلب المزيد من التمويل والمزيد من التوظيف والإعتراف بنجاحها، نظريا هذا الأمر من شأنه  خلق مصلحة ذاتية في الحفاظ على المعاناة التي أُوجدوا هم من أجل إنهائها، ليصبح العاملين في مجال الدعم أمام معضلة، وهي أنه يتوجب عليهم وضع إسرائيل موقع المحاسبة بسبب خروقاتها للقانون الدولي، و في ذات الوقت هم بحاجة إلى إسرائيل من أجل تسهيل وعدم إعاقة عملهم، مما يضع الدعم الدولي في موقع تضاد مباشر مع مطالبهم من أجل حماية حقوق الإنسان.

هل يتحمل الفلسطينيون مسؤولية غزة؟
إن منظمة التحرير الفلسطينية والتي إعترفت بها الأمم المتحدة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، تتحمل شيء من المسؤولية بموجب أجندتها الواهمة الرامية لإقامة الدولة.
لقد قامت منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقيع على معاهدة أوسلو، وقامت بإنشاء السلطة الفلسطينية و التي بدورها وافقت على مطلب إسرائيل بأن تتولى هي مسئولية إحتياجات الفلسطينيين، كما وقامت حماس بتولي نفس مستوى المسئولية حين قررت الدخول في الإنتخابات التشريعية عام 2006، والتي أصبحت حكومة أمر واقع في عام 2007 بعد سيطرتها على القطاع.
على كلٍ، فإن هذه المسئولية تختلف نوعياً عن المسئولية الملقاة على عاتق إسرائيل والمجتمع الدولي تحت القانون الدولي، و ذلك لأن الأساس القانوني الذي وُجدت على أساسه السلطة الفلسطينية هو إتفاقات أوسلو، والتي ليس لها نفس مكانة القانون الدولي، وبل تتناقض معه في مناحي كثيرة. وبالمثل فإن وجود حماس كحكومة أمر واقع في غزة لا يلغي إنطباق القانون الدولي. و بكلمات أخرى فإن المسئوليات القانونية الملقاة على عاتق إسرائيل والأطراف الأخرى لا تتأثر كون الفلسطينيين شاركوا في إطار عمل أوسلو. علما أن حدود واجبات اللسلطة الفلسطينية مقرونة بالسيطرة والنفوذ  المعطاة لها، والمحددة من قبل إسرائيل، ومع ذلك، هنالك بعض الإلتزامات التي بإستطاعتها أن توفي بها، مثل المطالبة بالإمتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ما هي مسؤولية مصر تجاه غزة؟
إن مصر تسيطر على معبر واحد إلى غزة وهو معبر رفح البري، والذي هو مغلق بشكل شبه كامل منذ أكتوبر 2014. إسرائيل تجادل بأن هذا يجعل مصرإحدى الجهات  المسؤولة عن الحصار على غزة، رغم أن هذا الأمر جزئيا صحيح، إلا  أن إلتزاماتها مختلفة.  مصر في النهاية ليست قوة إحتلال وبالتالي لا تقع عليها نفس المسؤوليات العملية والقانونية تجاه قطاع غزة كالتي تقع على إسرائيل.
لا توجد لمصر أي سيطرة فعلية على الأمور داخل غزة مثل توفير الخدمات الأساسية. إن كمية الكهرباء القليلة التي تلتزم مصر بتزويدها لغزة في، عملت حتى الآن دون إنقطاع تقريبا. تشترك مصر وغزة بحدود معترف بها دولياً، وعلى النقيض، لا توجد لإسرائيل حدود معترف بها، وتقوم بشكل روتيني بخرق"الخط الأخضر" (خط هدنة 1949)
والأهم هو أن إسرائيل لا تستطيع التخلي عن إلتزاماتها تجاه غزة تحت القانون الدولي، بينما مصر ليست ملزمة قانوناً تجاه غزة بنفس الطريقة.
هناك أيضاً إختلافات عملية وسياسية بين تأثير سياسة الحصار والفصل التي تمارسها إسرائيل، وموقف مصر اللامعقول والرافض لإبقاء معبر رفح مفتوحاً. إن الوجود السياسي و الإجتماعي والإقتصادي والثقافي لغزة يعتمد على إعادة توحيده مع باقي فلسطين. إن تطلعات الفلسطينيين في غزة تتجه نحو إرتباطهم الوطني بباقي الأرض الفلسطينية المحتلة و ليست تجاه مصر. رغم أنه من غير الواضح أن مصر قامت أو لم تقم بإلتزاماتها العرفية ضمن القوانين الدولية الإنسانية، إلا أنها إسرائيل هي الجهة التي تمنع الفلسطينيين من تحقيق المصير وإعادة التواصل الطبيعي بين إجزاء الشعب.

إذا، ماذا تعتقدون؟ من يجب أن يحاسب؟
من الواضح أن هناك العديد من االمستويات من تحمل  المسؤولية لإستمرار خرق حقوق الفلسطينيين في غزة و غياب إعادة الإعمار. كيف يجب أن نفهم هذه الواجبات المتشابكة، والأحياناً متناقضة؟ من عليه أن يتحمل المسئولية؟ وعن ماذا؟

إضافة تعليق جديد